في سياق عالمي يتسم بتزايد تدفقات الهجرة والنزوح القسري، أكدت الجزائر مجددا التزامها بالمبادئ الإنسانية، والاستعداد لتعزيز الشراكة مع المجتمع الدولي لتحقيق إدارة أفضل لهذه الظاهرة المعقدة. جاء ذلك خلال مداخلة ألقتها ممثلة الجزائر في اجتماع مجلس المنظمة الدولية للهجرة، حيث قدمت رؤية شاملة تستند إلى مبادئ الكرامة الإنسانية، التعاون الإقليمي، والتنمية المستدامة.
التحديات المعاصرة للهجرة
تواجه العديد من الدول، بما في ذلك الجزائر، تصاعدًا في تدفقات المهاجرين نتيجة الأزمات الاقتصادية، وتغير المناخ، والصراعات المستمرة. ويمثل القارة الإفريقية إحدى أبرز المناطق تأثرًا بهذه الظاهرة، حيث تسعى أعداد متزايدة من الأشخاص إلى مغادرة بلدانهم بحثًا عن ظروف معيشية أفضل، متجهة نحو الشمال وعابرة البحر الأبيض المتوسط للوصول إلى أوروبا.
أكدت الجزائر أن هذا الوضع يحمل معه مخاطر متعددة، منها الاتجار بالبشر، والهجرة غير النظامية، والمخاطر المميتة المرتبطة بعبور البحر، حيث يلقى العديد من المهاجرين حتفهم في عرض البحر، ما يستوجب تدخلًا عاجلًا ومنسقًا من قبل جميع الأطراف الفاعلة.
استجابة الجزائر: نهج قائم على الإنسانية والتعاون الدولي
اعتمدت الجزائر نهجا متوازنا لإدارة قضية الهجرة، يرتكز على عدد من المحاور الرئيسية، أبرزها:
المعاملة الإنسانية
تضمن الجزائر لجميع الأجانب الموجودين على أراضيها الوصول المجاني إلى الخدمات الأساسية، خاصة في مجالي الصحة والتعليم. يأتي هذا التوجه في إطار تعزيز كرامة الإنسان وتوفير الحماية للمهاجرين بغض النظر عن وضعهم القانوني.
الإعادة الطوعية
تلتزم الجزائر بترحيل المهاجرين الموجودين بصفة غير قانونية في أراضيها إلى بلدانهم الأصلية، مع احترام الكرامة الإنسانية وبالتنسيق مع سلطات بلدانهم الأصلية. هذا الإجراء يتم بدعم من شركاء مثل المنظمة الدولية للهجرة والاتحاد الأوروبي.
تعزيز التنمية في المناطق الحدودية
ترى الجزائر أن معالجة جذور الهجرة تتطلب تحسين الظروف المعيشية في المناطق المصدرة للهجرة. ولتحقيق ذلك، تنفذ الحكومة مشاريع تنموية تهدف إلى خلق فرص اقتصادية وتحسين البنية التحتية في المناطق الحدودية مع الدول المجاورة.
مكافحة الاتجار بالبشر
وضعت الجزائر إطارًا قانونيًا صارمًا لمكافحة الاتجار بالبشر وتهريب المهاجرين، ما أسهم في تقليص أعداد المهاجرين غير النظاميين الذين يحاولون عبور البحر إلى أوروبا.
تعزيز التعاون الدولي
تؤمن الجزائر أن إدارة الهجرة تتطلب تعاونًا متعدد الأطراف يأخذ في الاعتبار مصالح جميع الدول، سواء كانت دول منشأ، عبور، أو وجهة. وتعارض الجزائر بشدة مفهوم “الهجرة الانتقائية”، الذي يخدم مصالح الدول المتقدمة على حساب الدول النامية من خلال استنزاف مواردها البشرية.
رؤية مستقبلية: هجرة آمنة ومنظمة
رحبت الجزائر بالاستراتيجية الجديدة للمنظمة الدولية للهجرة للفترة 2024-2028، والتي تهدف إلى جعل الهجرة أكثر أمانًا وإنسانية، مع التركيز على تسهيل التنقل البشري لصالح الجميع. وأكدت دعمها الكامل لمحاور هذه الاستراتيجية، معربة عن استعدادها لتعزيز تعاونها مع المنظمة والمجتمع الدولي لتحقيق هذا الهدف.
تمثل قضية الهجرة تحديا عالميا يتطلب استجابات جماعية وشاملة. وبينما تستمر الجزائر في مواجهة تداعيات هذه الظاهرة، فإنها تظل ملتزمة بمبادئ الكرامة الإنسانية، وتعزيز التنمية، وتعميق التعاون الدولي. فهل ستتمكن الجهود الدولية من تحقيق توازن يضمن حقوق المهاجرين ويحفظ مصالح الدول؟