الحدثالواجهةعاجلمقالات

قائد الجهاز الحكومي في العشرية السوداء..سيد أحمد الغزالي في ذمة الله

في صفحة من تاريخ الجزائر السياسي المعاصر، يعتبر سيد أحمد غزالي رمزا لمسيرة طويلة من الخدمة الوطنية والتجارب المتقلبة، إذ شغل مناصب رفيعة في الدولة قبل أن يتولى رئاسة الحكومة في فترة عصيبة جدا شهدت أحداثا مفصلية خلال العشرية السوداء.

ولد سيد أحمد غزالي في 31 مارس 1937 في منطقة تغنيف – معسكر بالجزائر، وترعرع في بيئة تأثرت بتراث الوطن العربي والنضال من أجل الحرية. التحق بمؤسسات التعليم العالي في فرنسا، حيث درس الهندسة في مدرسة الجسور والطرق بباريس، وهي خطوة شكلت حجر الأساس لمسيرته العلمية والمهنية. ومن خلال تحصيله العلمي، استطاع أن ينخرط في الحياة العامة متسلحا بفكر ناقد وإيمان عميق بخدمة الوطن.

بدأت مسيرته المهنية في أوائل الستينيات، حيث تدرج في المناصب التقنية والإدارية، وبرز دوره في القطاع النفطي من خلال توليه إدارة شركة سوناطراك، المؤسسة الوطنية التي لعبت دورا محوريا في تطوير الاقتصاد الوطني. خلال الفترة من 1966 إلى 1979، ساهم غزالي في بناء قاعدة قوية لقطاع الطاقة والوقود، وهو ما أسهم في تعزيز مكانة الجزائر كلاعب إقليمي في هذا المجال الحيوي.

 المناصب الوزارية والدبلوماسية

لم يقتصر نشاطه على الجانب التقني فحسب، بل شغل أيضًا عدة مناصب وزارية حيوية، منها:
وزير الطاقة والصناعات البتروكيماوية: حيث لعب دورًا رئيسيًا في إدارة وتطوير البنية التحتية للقطاع النفطي.
وزير المالية: الذي تسلم مهام مراقبة الاقتصاد الوطني في فترة حرجة.
وزير الشؤون الخارجية: الذي تولى مسؤولية الدفاع عن موقف الجزائر على الساحة الدولية وممارسة الدبلوماسية في ظل تقلبات السياسة العالمية.

هذه المناصب أكسبته خبرة واسعة وفهما عميقا لكيفية إدارة الدولة في مختلف المجالات الحيوية.

 رئاسة الحكومة في ظل أزمات تاريخية

 

في 5 جوان 1991، وفي خضم مرحلة من التحولات السياسية والاجتماعية، تولى سيد أحمد غزالي رئاسة الحكومة الجزائرية خلفا لمولود حمروش. جاءت فترة ولايته (حتى 8 جويلية 1992) في ظل ظروف سياسية واقتصادية متوترة؛ إذ كانت الجزائر تمر بمرحلة انتقالية حساسة بعد بداية العملية الديمقراطية التي أدت إلى اضطرابات أدت فيما بعد إلى اندلاع العنف على نطاق واسع.

تحديات في فترة العشرية السوداء

 

تزامنت فترة رئاسته مع مرحلة تعرف بالعشرية السوداء، وهي فترة نزاع مسلح وصراع داخلي امتد خلال التسعينات وأسفرت عن سقوط آلاف الضحايا. ومن بين التحديات الكبيرة التي واجهت حكومته:
– *الأحداث الدموية في جوان 1991*: حيث شهدت العاصمة والعديد من المناطق اندلاع اشتباكات وأحداث عنف أودت بحياة مئات الشبان.
– *الانقلاب العسكري في يناير 1992*: الذي أدى إلى إقالة الرئيس الشاذلي بن جديد ودخول الجزائر في دوامة من العنف والنزاع الداخلي.
– *اغتيال الرئيس محمد بوضياف*: في يونيو 1992، مما زاد من تعقيد المشهد السياسي وأثر على استقرار البلاد.

خلال هذه الفترة، اضطر غزالي إلى اتخاذ قرارات صعبة في ظل ضغوط داخلية وخارجية، وسعى جاهدًا للحفاظ على كيان الدولة رغم التحديات الأمنية والسياسية الكبيرة.

مساهماته في بناء الدولة الجزائرية.. إصلاحات إقتصادية وتنموية

ساهم غزالي خلال مسيرته في تعزيز البنية التحتية الاقتصادية للجزائر؛ إذ كانت تجربته في سوناطراك حافلة بالإنجازات التي ساعدت على تحويل الجزائر إلى قوة إقليمية في مجال النفط والغاز. كما أدرك أهمية تنويع الاقتصاد وتحسين الكفاءة الإدارية، وهو ما انعكس في سياساته خلال المناصب الوزارية المختلفة.

 عمل دبلوماسي وتثبيت مكانة الجزائر

في منصب وزير الخارجية، عمل على الدفاع عن سيادة الجزائر وتأكيد موقفها في الساحة الدولية، حيث كان له دور في مواجهة التحديات التي فرضتها النزاعات الإقليمية والعالمية، بما في ذلك حرب الخليج الثانية. وقد ساهم ذلك في إبراز صورة دولة مستقلة تسعى لحماية مصالح شعبها بعيدًا عن التدخلات الأجنبية.

 الحفاظ على وحدة الدولة خلال أزمات العشرية السوداء

 

رغم الظروف الأمنية الصعبة التي عصفت بالجزائر خلال العشرية السوداء، فقد بذل غزالي جهودًا لإبقاء الجهاز الحكومي متماسكًا، محاولاً تجنب تفكك الدولة. كما كان له موقف واضح في مواجهة التطرف، حيث ندد بالتطرف الإسلامي الذي اعتبره رد فعل عنيف ضد الاستبداد ومظاهر من السياسات القمعية التي مارستها الأنظمة.

في لقاءات حديثة ومقابلات مع وسائل إعلامية، أكد سيد أحمد غزالي على أن التعليم يمثل الثروة الحقيقية لأي دولة. فقد شدد على أهمية الاستثمار في التعليم والتدريب لتنمية الكفاءات الوطنية التي ستشكل مستقبل الجزائر وتضمن استمرارية التنمية والاستقرار.

على الرغم من أنه انتقل إلى رحمة الله تعالى عن عمر يناهز 88 عامًا، إلا أن إرث سيد أحمد غزالي لا يزال حيًا في الذاكرة الوطنية الجزائرية. لقد ترك بصمة كبيرة في قطاعات عدة، بدءًا من الطاقة والاقتصاد وصولاً إلى الدبلوماسية والسياسة الداخلية. كما يُذكر دوره في مواجهة التحديات الأمنية خلال العشرية السوداء كأحد المراحل الحاسمة التي أثرت في مسار الدولة الجزائرية، مؤكّدًا على أهمية الوحدة الوطنية والتماسك في مواجهة الأزمات.

يعد سيد أحمد غزالي من الشخصيات التي أثرت في تاريخ الجزائر الحديث بمسيرته المتميزة وحكمته في أوقات الأزمات. فقد عاش تجارب عدة من إدارة القطاعات الحيوية، وتقلد مناصب رفيعة في الدولة، وسعى بكل جهده للحفاظ على وحدة الجزائر في فترة عصيبة.

توفي، اليوم ، سيد أحمد غزالي، بالمستشفى العسكري بعين النعجة عن عمر ناهز 88 سنة، تاركا للجزائر  إرثه السياسي والإداري ليظل شاهدا على قدرته القيادية على تجاوز التحديات الكبرى في سبيل خدمة الوطن وتحقيق التنمية والاستقرار.

 

amina_aroui

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى