
تشهد العلاقات الجزائرية-الرواندية زخما متجددا يعكس عمق الروابط التاريخية التي تجمع بين البلدين، والتي تأسست على مبادئ الاحترام المتبادل، والتضامن الفعّال، والتنسيق المشترك في القضايا الإفريقية والدولية. هذا المسار الواعد من التعاون الثنائي يعرف منذ سنوات ديناميكية متصاعدة، تعززها الإرادة السياسية القوية التي يكرّسها كل من رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون ونظيره الرواندي بول كاغامي.
في هذا السياق، تأتي الزيارة الرسمية التي يقوم بها اليوم رئيس جمهورية رواندا إلى الجزائر، بدعوة من رئيس الجمهورية، كمحطة مهمة ضمن مسار تعزيز العلاقات الثنائية، وفرصة ثمينة لبحث سبل توسيع مجالات التعاون، وتكثيف التنسيق السياسي والدبلوماسي حول القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.
زخم دبلوماسي متواصل
شهدت العلاقات بين البلدين تطورا ملحوظا منذ قرار الجزائر فتح سفارة لها في كيغالي سنة 2021، وهو ما شكّل تحولا نوعيا في مسار التعاون الثنائي. هذا التطور تُرجم على أرض الواقع من خلال الزيارات المتبادلة والمكثفة بين مسؤولي البلدين، حيث التقى الرئيس تبون بنظيره كاغامي في ديسمبر الماضي على هامش المؤتمر القاري حول التعليم والشباب في نواكشوط، كما بعث له برسالة تضامن بمناسبة الذكرى الثلاثين للإبادة الجماعية في رواندا سنة 1994.
وبصفته ممثلا شخصيا لرئيس الجمهورية، شارك وزير الشؤون الخارجية أحمد عطاف في إحياء هذه الذكرى الأليمة، حيث أجرى سلسلة من اللقاءات مع مسؤولين روانديين، جدد خلالها موقف الجزائر الثابت في دعم القضايا الإنسانية والعدالة التاريخية.
تعاون أمني وعسكري واعد
تتجاوز العلاقات الجزائرية-الرواندية الطابع الدبلوماسي، لتشمل مجالات استراتيجية، لاسيما التعاون العسكري والأمني. ففي فيفري 2024، قام الفريق أول السعيد شنقريحة، رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، بزيارة رسمية إلى رواندا، وصفها بأنها تعكس “الطموح المشترك لإعادة بعث التعاون العسكري بين البلدين بما يتماشى مع التحديات الأمنية التي تواجه القارة”.
وفي أبريل 2025، رد رئيس أركان الدفاع الرواندي، الفريق أول مبارك موغانغا، الزيارة بزيارة عمل إلى الجزائر على رأس وفد عسكري رفيع، تم خلالها بحث سبل تعزيز التعاون الثنائي في المجال الدفاعي وتنسيق الجهود في مواجهة التهديدات العابرة للحدود.
وقد أكد الفريق أول شنقريحة أن هذه العلاقة تمثل “نموذجا يُحتذى به في التضامن والتنسيق بين دول القارة الإفريقية في المحافل الدولية”.
لم تقتصر جهود تعزيز العلاقات على المستوى التنفيذي، بل امتدت أيضا إلى المجال البرلماني، حيث تم في مارس 2023 تنصيب مجموعة الصداقة البرلمانية الجزائر-رواندا، كمبادرة تهدف إلى توطيد أواصر التعاون البرلماني وتبادل الخبرات التشريعية، بما يعكس تطورا نوعيا في العلاقات الشعبية بين البلدين.
وحدة مواقف ودفاع مشترك عن القضايا الإفريقية
تتقاطع رؤى الجزائر ورواندا حول مجمل القضايا الدولية والإفريقية، لاسيما في ما يتعلق بالدفاع عن حق الشعوب في تقرير مصيرها، ورفض التدخلات الأجنبية، والدعوة إلى حلول سياسية للنزاعات. وتولي الدولتان اهتماما بالغا بالتنسيق في ملفات السلم والأمن والتنمية داخل القارة، فضلا عن جهودهما المشتركة في مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة العابرة للحدود.
نحو مستقبل واعد
وإلى جانب التنسيق السياسي والعسكري، تتطلع الجزائر ورواندا إلى توسيع آفاق التعاون الاقتصادي، من خلال تشجيع تدفق الاستثمارات الثنائية، وتطوير الشراكات في مجالات متعددة تشمل الزراعة، الصناعة، التكنولوجيا، والنقل. وتُعد هذه الديناميكية الجديدة مؤشرا على سعي البلدين إلى بناء شراكة نموذجية قائمة على المنفعة المتبادلة والتكامل الاقتصادي الإفريقي.
إن ما يميز العلاقات الجزائرية-الرواندية في الوقت الراهن هو تطابق الرؤى، وتكامل الأدوار، وتوحيد الجهود، في سبيل بناء قارة إفريقية قوية، موحدة وذات سيادة. وبينما تنفتح الجزائر ورواندا على مستقبل يزخر بالفرص والتحديات، فإن رصيد الثقة والتفاهم الذي تم بناؤه على مدار سنوات، يشكل أساسا متينا لشراكة استراتيجية متعددة الأبعاد.
وفي ظل المتغيرات الدولية والإقليمية المتسارعة، تبرز العلاقات بين الجزائر ورواندا كنموذج حي على أن الإرادة السياسية، حين تقترن برؤية واضحة وثقة متبادلة، قادرة على صناعة الفارق في المسارات التنموية والسياسية لدول القارة.